صوت إسبانيا – شهد سوق الإيجارات في إسبانيا تحولات مستمرة منذ إقرار القانون 12/2023 في 24 مايو 2023، المعروف باسم “قانون الحق في السكن” (Ley por el Derecho a la Vivienda). ورغم أن القانون الأساسي صدر في 2023، إلا أن عام 2025 يحمل في طياته تعديلات جوهرية وبنوداً دخلت حيز التنفيذ فعلياً أو ستدخل قريباً، خاصة تلك المتعلقة بآليات تحديث الإيجارات وتنظيم الإيجارات السياحية. هذه التغييرات، التي بدأ سريان بعضها في 3 أبريل 2025، تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد العقاري الإسباني، في محاولة لمعالجة أزمة ارتفاع الأسعار وتوفير سكن بأسعار معقولة، مع الموازنة بين حقوق الملاك والمستأجرين.
القانون الإسباني للإسكان 12/2023: سياق وتعديلات 2025
يُعد قانون الإسكان لعام 2023 إطاراً تشريعياً شاملاً يهدف إلى جعل السكن حقاً أساسياً وميسور التكلفة. وقد تميز هذا القانون بـ:
- تنظيم “المناطق المتوترة” (Zonas Tensionadas): وهي المناطق التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعار الإيجارات، وتُمكن السلطات المحلية من تحديد سقف للإيجارات الجديدة فيها.
- الحماية المعززة للمستأجرين: بما في ذلك تمديد العقود والحماية ضد الإخلاء في حالات الضعف الاقتصادي.
- تحويل رسوم الوكالات العقارية إلى المالك: حيث أصبح المالك هو المسؤول عن دفع رسوم الوساطة العقارية عند تأجير العقار.
- الحوافز الضريبية للملاك: لتشجيعهم على خفض الإيجارات أو تأجير العقارات المهجورة.
لكن ما يهمنا بشكل خاص في سياق حديثك عن أبريل 2025 هو التطورات التي أصبحت سارية المفعول هذا العام، والتي تتعلق بشكل رئيسي بمؤشر تحديث الإيجارات وبتنظيم الإيجارات السياحية التي أحدثت نقلة نوعية.
تفعيل المؤشر المرجعي الجديد لزيادة الإيجارات (IRAV)
أحد أهم التعديلات الجوهرية التي تضمنها قانون الإسكان 2023، وبدأ تفعيلها الكامل في عام 2025، هو استبدال مؤشر أسعار المستهلك (IPC) في تحديث الإيجارات بمؤشر جديد خاص بالإيجارات.
- القيود المؤقتة السابقة: في عام 2023، تم تحديد سقف للزيادة السنوية في الإيجارات بنسبة 2%، وارتفع هذا السقف إلى 3% في عام 2024.
- المؤشر الجديد لعام 2025: اعتبارًا من يناير 2025، دخل حيز التنفيذ المؤشر المرجعي لتحديث إيجارات المساكن (Índice de Referencia para la Actualización de Arrendamientos de Vivienda – IRAV)، والذي أعده المعهد الوطني للإحصاء (INE). هذا المؤشر الجديد يهدف إلى توفير مرجعية أكثر استقراراً وواقعية لتحديث الإيجارات، بعيداً عن التقلبات الحادة التي قد يشهدها مؤشر أسعار المستهلك. على سبيل المثال، تم نشر مؤشر IRAV لشهر أبريل 2025 وبلغ 2.09% (اعتبارًا من تاريخ النشر الفعلي للمعلومة في مايو 2025). هذا يعني أن الزيادات في الإيجارات التي تُجدد عقودها في 2025 سترتبط بهذا المؤشر الجديد بدلاً من 3% السابقة أو مؤشر أسعار المستهلك.
- الهدف: يرمي هذا التحول إلى كبح جماح الزيادات المفرطة في الإيجارات، وتوفير قدر أكبر من اليقين والاستقرار لكل من المستأجرين والملاك، مع الحرص على عدم تجميد الأسعار بشكل يضر بالسوق.
التحول الكبير في تنظيم الإيجارات السياحية: قواعد جديدة بدءًا من أبريل 2025
تُعد التغييرات المتعلقة بالإيجارات السياحية (Pisos Turísticos) هي الأبرز والأكثر تأثيراً والتي دخلت حيز التنفيذ في أبريل 2025 وتحديداً في 3 أبريل 2025. هذه التغييرات نابعة من قانون الملكية الأفقية (Ley de Propiedad Horizontal) المعدل، وكذلك من اللوائح الأوروبية.
1. صلاحيات مجالس الجيران (Comunidades de Vecinos):
- التحكم في الإيجارات السياحية الجديدة: اعتبارًا من 3 أبريل 2025، أصبح بإمكان مجالس الجيران (جمعيات الملاك في المباني السكنية) حظر أو تقييد ممارسة نشاط الإيجار السياحي الجديد في مبانيهم. يتطلب ذلك موافقة أغلبية مؤهلة من ثلاثة أخماس (3/5) مجموع الملاك الذين يمثلون ثلاثة أخماس حصص الملكية. هذا يمثل تحولاً جذرياً، حيث كان في السابق يتطلب موافقة جميع الملاك تقريباً.
- ليس بأثر رجعي: هذا الشرط لا ينطبق بأثر رجعي على الشقق التي كانت تعمل كإيجار سياحي بشكل قانوني قبل 3 أبريل 2025. هذه الشقق يمكنها الاستمرار في نشاطها، لكنها قد تخضع للوائح الجديدة التي قد تفرضها المجتمعات المحلية.
2. رسوم إضافية على الإيجارات السياحية:
- يمكن لمجالس الجيران أيضًا، بأغلبية مماثلة (3/5)، فرض رسوم إضافية تصل إلى 20% على حصة الشقق السياحية من نفقات الصيانة المشتركة للمبنى. هذا يهدف إلى تعويض الاستهلاك المتزايد للمرافق المشتركة والازعاج المحتمل الذي تسببه الإيجارات السياحية.
3. السجل الموحد والإجراءات الجديدة (اعتباراً من 1 يوليو 2025):
- بناءً على اللائحة الأوروبية 2024/1028 الصادرة في 11 أبريل 2024 ومرسوم ملكي إسباني لاحق، سيتم تفعيل السجل الموحد للإيجارات قصيرة الأجل (Registro Único de Alquiler de Temporada) في إسبانيا اعتبارًا من 1 يوليو 2025.
- التسجيل الإلزامي: ستُلزم جميع العقارات المخصصة للإيجار السياحي أو المؤقت (باستثناء الإيجارات طويلة الأجل للسكن المعتاد) بالحصول على رمز تسجيل فريد عند الإعلان عنها على المنصات الرقمية. هذا يهدف إلى زيادة الشفافية ومكافحة التأجير غير القانوني.
- النافذة الرقمية الواحدة: ستقوم وزارة الإسكان والأجندة الحضرية بتفعيل “النافذة الرقمية الواحدة للإيجارات” (Ventanilla Única Digital de Arrendamientos) لتسهيل عمليات التسجيل والإشراف.
التأثيرات المتوقعة والخلافات: ميزان معقد
تُعتبر هذه التغييرات في عام 2025 حاسمة، خاصة تلك المتعلقة بالإيجارات السياحية، وتُشعل نقاشات واسعة:
- بالنسبة للإيجارات طويلة الأجل: يُتوقع أن يساهم المؤشر الجديد (IRAV) في توفير قدر أكبر من الاستقرار والقدرة على التنبؤ بأسعار الإيجارات، مما يعود بالنفع على المستأجرين. ومع ذلك، لا يزال الملاك وشركات العقارات يعربون عن قلقهم من أن القيود قد تقلل من جاذبية الاستثمار في الإيجارات السكنية، مما قد يؤثر على المعروض في الأمد البعيد.
- بالنسبة للإيجارات السياحية: التغييرات في أبريل 2025 تمنح المجتمعات المحلية سلطة أكبر للتحكم في هذا النوع من الإيجارات، مما قد يقلل من عدد الشقق السياحية الجديدة في المناطق المكتظة ويخفف الضغط على سوق الإيجار السكني. من ناحية أخرى، يرى قطاع السياحة وأصحاب الشقق السياحية أن هذه الإجراءات قد تكون قاسية وتضر بالاستثمار والسياحة، وأنها قد تدفع جزءًا من السوق إلى العمل خارج الإطار القانوني إذا كانت القيود شديدة.
- الجدل السياسي والقانوني: لا تزال بعض الأقاليم المستقلة تعارض أجزاء من قانون الإسكان 2023 وتتجه إلى الطعن فيها أمام المحكمة الدستورية، مما يشير إلى أن النقاش القانوني والسياسي حول السكن في إسبانيا لم ينته بعد.
مستقبل سوق الإيجارات الإسباني في ضوء التطورات الأخيرة
إن عام 2025 يمثل مرحلة مهمة في تطبيق وتطوير سياسات الإسكان في إسبانيا. مع تفعيل المؤشر الجديد لزيادات الإيجارات وتشديد الرقابة على الإيجارات السياحية، تسعى الحكومة إلى تحقيق توازن دقيق بين حماية الحق في السكن، ودعم المستأجرين، وتشجيع عرض العقارات بأسعار معقولة، دون أن تؤثر سلباً على جاذبية السوق للمستثمرين.
تبقى النتائج طويلة الأمد لهذه التعديلات رهناً بكيفية تطبيقها على أرض الواقع من قبل الأقاليم المختلفة، ومدى استجابة السوق لها. لكن المؤكد هو أن المشهد العقاري في إسبانيا يمر بتحولات جذرية، وأن التطورات التشريعية الأخيرة تهدف إلى إعادة تعريف مفهوم السكن كحق أساسي، وليس مجرد استثمار اقتصادي، مع التركيز على التحديات الراهنة لأسعار الإيجارات والضغط السياحي على السكن في المدن الإسبانية الكبرى…المزيد
كاتبة المقال
موضوعات شعبية وجماهيرية :
إسبانيا هذا الإسبوع : تحديات واحتفالات وضمان إجتماعي وأيام مغربية